لا يمكن وصف ما أثير ضد السفير الإيراني بسبب تصريحاته يوم السادس من يناير الجاري بأقل من زوبعة. في لقائه مع مجموعة من الصحفيين اليمنيين احتج السفير على الاتهامات الموجهة ضد بلاده من الرئيس اليمني عبد ربه بحجة اكتشاف شبكات تجسس إيرانية، قال فيها السفير “لا شيء في اليمن يستحق التجسس عليه والرئيس عبد ربه يستمد معلوماته من تقارير غربية.” تصريحات السفير الإيراني البعيدة عن الدبلوماسية واللياقة والقريبة جداً من واقع اليمن أثارت جزء من الرأي العام اليمني بجانبه المتحفز ضد إيران وتدخلاتها الحديثة العهد في اليمن.
هذه التصريحات كانت جافة وليست مجافية لواقع الحال في اليمن بحكم أنه بلد مكشوف تقوم بهيكلة جيشه بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتتعرض أراضيه لضربات شبه يومية من الطائرات الأمريكية بدون طيار والتي كشفت مؤخراً النيويورك تايمز إن المملكة العربية السعودية أيضاً قامت بالمشاركة في هذه الضربات، في اختراق ليس الأول من الجارة السعودية للأجواء اليمنية حيث تعرضت من قبل محافظة صعدة الشمالية لضرب كثيف من الطيران السعودي ضد جماعة الحوثيين في عام 2010. بالإضافة إلى ذلك فقد أثيرت ضد تصريحات السفير الإيراني زوبعة لم تلقها شحنة أسلحة محملة على متن سفن تركية رست على ميناء الحديدة دون معرفة لمن تتوجه هذه الأسلحة وماهي انواعها؟ وهو خبر تسرب بشواهد قوية لم تدع مجالاً للانكار لكن سرعان ما تمت تغطيته بالحديث عن شحنة أسلحة إيرانية وصلت دون أية شواهد. بما يكشف سريعاً طبيعة المناكفة والمزايدة الرخيصة لأدعياء الغيرة الوطنية من وكلاء اليمن للأطراف الإقليمية المتصارعة.
ربما لا يعادل غباء تصريحات السفير الإيراني في توقيتها ومفرداتها سوى فجاجة تصريحات السفير الأمريكي الذي سبق وحرض على مسيرة الحياة السلمية الراجلة من مدينة تعز لصنعاء وكانت تهدف للاعتصام أمام دار الرئاسة. حينها اعتبر السفير الأمريكي التوجه لقصر الرئاسة عملاً غير سلمي وللأمن حقه في مجابهته. هذا التصريأ اثار زوبعة مشابهة لما نراه آلان ضد السفير الإيراني وإن اختلفت الأطراف التي تدير هذه الزوبعة وفي اتجاه من تستثمر. وإذا كان حرص السفير الأمريكي على المبادرة الخليجية التي بالكاد نجح في توقيعها بين طرفي التسوية هو الدافع وراء تصريحاته المستفزة، فالأمر مختلف لدى السفير الإيراني الذي استفزه التعامل الحكومي اليمني مع دولته دون أسانيد واضحة بخفة ظاهرة لا تبدي فيها الدولة اليمنية أي حرص على علاقتها مع الدولة الإيرانية. فالرئيس اليمني المقل في ظهوره الإعلامي لم يتردد طويلاً في إلقاء خطاب غاضب حول التدخل الإيراني وشبكة تجسس إيرانية لا نعلم عنها شيئاً ً حتى آلان، وبعد مرور قرابة ستة شهور من هذا الخطاب المعنف.
ظهرت قصة شبكة التجسس الإيرانية بعد فترة وجيزة من نشر قوائم باسماء اليمنيين الذين يتلقون رواتبهم من السعودية في صحيفة الشارع اليمنية مما نتج عنه ردود فعل واسعة حول طبيعة الشخصيات وحجم المبالغ التي تتلقاها. ومع أن القائمة غير موثقة لكنها لاقت قبولاً بحكم إنها تضمنت شخصيات، خاصة القبلية منها، معروفة بتلقيها أموال من السعودية وبعضها يجاهر بذلك. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بالأموال الإيرانية فرغم ما صار معلوماً بوجودها لكن حتى آلان حجم تدخلها لايزال محل لغط ونقاش حول حقيقته وإن كان لايزال أقل تشعباً من النفوذ السعودي في اليمن الذي تنافسه في مناطق اشتباك حساسة وسط الفراغ السياسي الهائل. وهو ما عبر عنه أحد الصحفيين الحاضرين لدى السفير الإيراني بالتعليق: نعم ليس هناك ما يستحق التجسس لكن في اليمن يوجد من الفراغ ما يستحق بسط النفوذ فيه، مما يلخص اسباب اشتداد المنافسة بين البلدين مؤخراً وهو حالة الفراغ الذي تتسيد الوضع السياسي في البلاد بعد انسحاب الدولة الكلي جراء ما شهدته الدولة اليمنية من احداث عام 2011 انتهت بإسقاط الرئيس علي صالح ليحل محله نائبه وتشكيل حكومة وفاق وطني تبدو عاجزة عن إدارة الملفات العاجلة اقتصادياً وأمنياً، ليستمر تآكل الدولة اليمنية.
هذا الفراغ السياسي في بلد موقعه الجوسياسي حساس مثل اليمن يغري بالكثير. فاليمن دولة بسواحل طويلة على البحر الأحمر وبحر العرب وتتحكم بمضيق مائي هام وهو باب المندب الذي يتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وعادة تحرص القوى السياسية التي تسيطر على قناة السويس على السيطرة على باب المندب كما فعلت بريطانيا باحتلال مدينة عدن المطلة على مضيق باب المندب عام 1839، حيث يعتبر التحكم بباب المندب شرطاً أساسياً للوصول والسيطرة على قناة السويس، وبالتالي التحكم في خط دولي بحري شديد الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، فإيران التي هددت بغلق مضيق بباب هرمز أحيت للسعودية آمالها وتطلعاتها القديمة حيث طالبت اليمن سابقاً أثناء مفاوضاتها الحدودية التي انطلقت عام 1996 بالسيطرة على ممر بري يصلها لبحر العرب حيث البحار المفتوحة لبترولها بعيداً عن اختناق الخليج العربي المهدد أمنيا وعسكرياً. ورغم أن الحكومة اليمنية أبدت مرونة تجاه الطلب السعودي لكنه توقف عند الأمور السيادية عندما اشترطت اليمن أن يكون تحت سيادتها وهذا ما رفضته السعودية. يزيد من أهمية اليمن لدى السعودية طول الشريط الحدودي بين البلدين الذي يتجاوز 1400 كم مربع وهو شريط يصعب السيطرة عليه بسبب صعوبة جغرافيته المتنوعة بين جبال وصحارى. إضافة للتشابك الاجتماعي بين البلدين ليس فقط بين قبائل الحدود بل أيضاً تمتد أصول الكثير من السعوديين لليمن بعضهم – تحديداً اليمنيون من حضرموت- يسيطرون على مفاصل الاقتصاد السعودي – غير البترولي- هذا غير الجالية اليمنية في السعودية والتي يصل تعدادها لقرابة مليوني نسمة.
إذاً اجتمعت حساسية الموقع مع ديناميكية المجتمع بالقرب من دولة محافظة مثل السعودية بكل ثقلها الإقتصادي والديني تتحول بالتأكيد هذه الدولة لبؤرة مثيرة للقلق بكل تأكيد، بداية كان أول خلاف سعودي يمني نشأ حول وراثة التركة العثمانية حيث اختلفتا على حدود دولتيهما حتى وصل الأمر إلى نشوب حرب عام 1934 انتهت بسيطرة السعودية على الساحل اليمني الشمالي الغربي. ثم وقع الطرفان معاهدة الطائف التي استولت بموجبها السعودية على عسير وملحقاتها وهو ما يعرف بالمنطقة الجنوبية في السعودية لمدة 70 عاماً قابلة للتجديد مقابل انسحاب قواتها من الساحل. ورغم هذا الصدام المبكر بين النظام السعودي ونظام الإمامة في اليمن، فإن السعودية وقفت عائقاً أمام أي عملية تغيير لهذا النظام اليمني حيث منعت الدعم العربي لثورة 1948 وما عرف بالثورة الدستورية ضد الإمام يحيى مما أدى لفشلها. تلتها ثورة 1962 التي سعت لإسقاط الإمامة وإقامة نظام جمهوري مما استدعى الصف الثوري لطلب التدخل المصري، لتصبح اليمن مسرحاً لصراع اقليمي بين مصر والسعودية لم تهدأ إلا بعد هزيمة 1967. مما أبعد مصر عن الساحة اليمنية ونتج عنه التوصل لإتفاق بين طرفي الصراع في اليمن لينتهي الصراع المسلح عام 1970 وتصبح اليمن الشمالي جمهورية في ظل جوارها الملكي والسلطني من دول الخليج لكن بعد صراع طويل انهك الدولة الناشئة لصالح القوى الإجتماعية التقليدية المسلحة مثل القبائل التي استعانت بها السعودية للتسلل لعمق هذه الدولة لتحجيم مخاطر نشوء جمهورية بجوارها، هكذا كان نشوء أول جمهورية في المحيط الإقليمي لتليها جمهورية اليمن الجنوبي.
لم يكن شمال اليمن لوحده مصدر تهديد، بل جنوبه الذي كان محتلاً من البريطانيين وكان يضج بالحركات النقابية والعمالية في مستعمرة عدن. وبعد ثورة سبتمبر انطلقت حركة المقاومة الجنوبية المسلحة ضد البريطانيين التي استمرت منذ عام 1964 حتى الجلاء عام 1967. وبهذا تعد اليمن الجنوبي الدولة الوحيدة في محيطها التي انتهجت المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، وهنا لم تكن السعودية بعيدة أيضاً عن المشهد حيث حاولت دعم بعض الفصائل المعتدلة لإخراج البريطانيين مع بعض الإمتيازات لهم في عدن ولم تنجح محاولاتها. وكأي دولة خرجت من الاستعمار بعد حركة مقاومة طويلة تأسست عليها شرعية النظام القادم اتجه الجنوب نحو التحالف مع الإتحاد السوفيتي وبدأت التوجه اليساري – الماركسي. مما زاد من متاعب السعودية في اليمن التي كانت تتصور اليسار خطراً داهماً وبذا رأت ضرورة تدعيم وجودها في الدولة المجاورة جغرافياً لها وهي اليمن الشمالي واوحت لشيوخ القبائل بتحالف مع قيادات الجيش للانقلاب على الرئيس الإرياني بسبب تمسكه باستقلالية القرار الوطني، ليخلفه الرئيس إبراهيم الحمدي الذي سرعان ما انقلب على حلفائه المشايخ واتجه للتقارب مع الجنوب وتحول بذلك لخطر اكثر راديكالية من سابقه، وبسبب كاريزميته المفرطه وشعبيته الواسعة سرعان ما اغتيل بعد صعوده للسلطة بما يزيد عن ثلاث سنوات قليلاً في اكتوبر 1977 مع خيوط تآمر سعودي واضحة ضده. هكذا صعد للسلطة حسين الغشمي لعدة اشهر. والذي اغتيل واتهم الرئيس الجنوبي سالمين بإنه وراء عملية اغتياله وهي وراية يشكك فيها الكثيرون لكن على اثرها تم إعدام هذا الرئيس من قبل رفاقه ليأتي من بعده رئيس سرعان ما ينقلب عليه ويرسل للمنفي في غضون عام. وبذا تكون اليمن الشمالي قد شهدت اغتيالين في عام واليمن الجنوبي اعدام رئيس ونفي آخر في ما يزيد عن عام بقليل. وشهدت كذلك بعض الصراعات الدموية وحربين واسعتين بين الشمال والجنوب على الحدود وحربين بين الجنوبيين أنفسهم. هذه كلها صراعات دموية انخرطت فيها قوى خارجية عديدة بعد ما صار اليمن بشطريه جزء من صراع الحرب الباردة آنذاك.
صعود علي عبدالله صالح للحكم في يونيو عام 1978 بتدخل سعودي صريح يتجلى باستدعائها شيخ واحدة من أكبر قبائل اليمن وأكثرها تنظيماً وهو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتآمره بدعم علي عبدالله صالح رئيساً رغم تململه من فكرة تولي السلطة عسكري مجدداً، لكنه استجاب لما دعته السعودية وهكذا كان حسب مذكراته. هكذا جاء صالح على خلفية صراعات دموية واضطراب حقيقي وبتحالف مع الإسلاميين كغريم طبيعي ضد اليسار في الجنوب بإمتدادات التوجه اليساري شمالاً.
مع الدعم السعودي الاقتصادي والسياسي لنظام الحكم شمالاً استقرت الاوضاع هناك بينما شهد الشطر الجنوبي حرباً دموية عام 1986 ومع انهيار المنظومة الاشتراكية توجهت انظار النخبة الجنوبية نحو إحياء مشروع الوحدة مع الشمال وهذا ما تم في مايو عام 1990. لم تكن السعودية راضية على الوحدة ومرت علاقتها مع حليفها السابق شمالاً باضطراب تجلى في وقوف اليمن في صف العراق أثناء حرب الخليج. وهذا ما دفع ثمنه اليمن غالياً بطرد عمالته من الخليج مما زاد من الأعباء الاقتصادية للدولة الوليدة والتي كانت من أوائل الدول العربية التي ركبت موجة الديمقراطية في التسعينيات وشهدت انتخابات برلمانية حرة عام 1993. لكن سرعان ما تفاقمت الأزمات السياسية في اليمن بين طرفي الوحدة انتهت بحرب 1994 التي دعمت فيها السعودية انفصال اليمن لكن سرعان ما حسمت قوات حكومة صنعاء الوضع عسكرياً لصالحها واستمرت الوحدة اليمنية لكن تضررت العلاقة بشدة بين البلدين حتى وصلت لمرحلة اشتباكات حدودية في ديسمبر عام 1995 ولم تنكسر حدة التوتر إلا بعد وساطة سورية انتهت باطلاق عملية التفاوض على الحدود عام 1996 لتنته بترسيم الحدود نهائياً عام 2000 وتتنازل فيها اليمن بشكل نهائي عن مطالبها بإقليم عسير وملحقاته.
هكذا كانت السعودية المستقرة والمحافظة التي لم تتأثر إلا قليلاً بأي من الموجات الإقليمية مثل موجات التحرر الوطني والمد القومي- اليساري بالستينيات أو الموجات العالمية مثل الديمقراطية على عكس جارتها التي تأثرت سريعاً بكل هذه الموجات ولحقت بها مبكراً، وانتقلت من ساحة صراع إقليمي للصد إلى ساحة صراع عالمي لصد تأثيرها مجدداً على الجارة السعودية. ومع العقد الأول من الألفية الثانية بدت اليمن دولة تحت السيطرة السعودية باستثناء منغصات الحرب على الارهاب، التي تعاونت فيها اليمن مع بعض التلاعب من قبل الرئيس صالح لتمرير مشروع التوريث والابتزاز المادي.
بعد الغزو الأمريكي لبغداد عام 2003 بدأت في الظهور جماعة زيدية يمنية – أحد تفرعات الشيعة- بشكل أكثر وضوحاً رافعة شعار الثورة الإيرانية "الله اكبر.. الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل.. النصر للإسلام "، مما استفز الحكومة اليمنية وأحرجها أمام حلفائها السعوديين والأمريكيين لتقوم بضربة جوية على منزل قائد الجماعة وتشتغل حرب صعده بفصولها الستة في يونيو 2004. ورغم صغر جماعة الحوثيين لكن الحرب كانت تنتهي ثم تشتعل مجدداً حيث رآها الرئيس السابق صالح فرصة للتخلص من بعض خصومه العسكريين، تحديداً الجنرال علي محسن بزجهم في هذه الحرب وحرقهم في آتونها ليمهد طريق الثوريث لابنه. كما كانت ورقة ابتزاز ضد جارته السعودية والتي استشعرت ذلك سريعاً وقامت بالتدخل عسكرياً في الحرب السادسة عام 2010 بحجة استيلاء الحوثيين على أراض حدودية تابعة للسعودية. كان الحوثيون نقطة تحول حيث صارت اليمن إحدى بؤر التوتر الإقليمي الجديد بين إيران والسعودية وكانت أول نقطة نفوذ إيرانية في اليمن.
اندلعت الثورة اليمنية أو الانتفاضة الشعبية العارمة في فبراير عام 2011 ليدخل للمعادلة السياسية اليمنية مكون جديد وهو الشباب المستقل، وتتخذ بعض الحركات المسلحة مثل الحوثين نهجاً جديداً في العمل السياسي وهو العمل السلمي، لم تكن السعودية متمسكة كثيراً بحليفها المتقلب المزاج علي عبدالله صالح لكن كان يعنيها الحفاظ على النظام الموالي لها في صنعاء دون تغيير ثوري حقيقي فيه حتى لا تنجح الثورة وتستطيع احتواء هذا المتغير الجديد في الساحة والتي تفاعلت معه اليمن سريعاً، كالعادة بينما تحاول السعودية تجاوز هذه الموجة بسلام كما هي عادتها من خلال احتوائه أولاً في المناطق المجاورة على الأقل، وهذا ما كان. ويمكن النظر لانضمام حليف السعودية وشريك علي صالح السابق، علي محسن، للثورة من هذا المنطلق. فرغم معارضة انضمامه من البعض مثل الحوثيين والمستقلين لكن تحالفه مع الإسلاميين، خاصة الاخوان، فرض وجوده. وبوجوده سرعان ما تحول الجو الثوري الشعبي لأزمة سياسية خانقة مصحوبة بصراعات مسلحة زعزعت يقين الشعب اليمني من نجاح الثورة بانضمام أحد اكبر رؤوس النظام والحراك الجنوبي الذي تعاطف مع الثورة والتحرك الشعبي الجنوبي المصاحب للثورة اصيب بفتور وابتعد عن المشهد الثوري، هذا كله مهد للقبول الشعبي بالمبادرة الخليجية التي كانت مرفوضة سابقاً.
المبادرة الخليجية بالمعايير الثورية تعتبر التفافاً عليها، لكنها تسوية سياسية بين الاطراف السياسية للمشهد السياسي اليمني قبل الثورة وهما حزب المؤتمر ممثلاً بالرئيس السابق صالح واحزاب اللقاء المشترك وهي تحالف حزبي على رأسه حزب الاصلاح الاخواني والحزب الاشتراكي والحزب الناصري وغيرها من أحزاب صغيرة، لكن ما جرى في اليمن يعد أكبر من مجرد أزمة بين احزاب البلاد وتوجد فيه أطراف لم تدخل ضمن إطار المبادرة، وهي الفئة المستقلة من الثوار والحوثيين والحراك الجنوبي. وهذه الفئات هي التي استطاعت إيران النفاذ من خلالها لتوسيع نفوذها داخل اليمن. وفوق ذلك كله فإن كوادر بعض الاحزاب الغير منتظمة مثل حزب الاصلاح الاخواني انضوت ضمن بعض التحالفات السياسية المدعومة من إيران التي استثمرت بنجاح السخط اليمني المتراكم من التدخل السعودي السلبي ومشاعر الثوار التي استفزت من المبادرة التي اعتبروها مؤامرة سعودية ضد ثورتهم.
لم تكن المرة الأولى التي تستغل فيها دولة إقليمية المشاعر اليمنية المعادية لتاريخ التدخل السلبي للسعودية في اليمن لتأليب أطراف داخل اليمن ضد السعودية باعتبار اليمن قاعدة خلفية للسعودية التي يثير قلقها أي وجود معاد داخلها. وكانت ليبيا القذافي مثالاً صارخاً خاصة في علاقتها الوقتية مع الحوثيين وتمويلها لبعض القبائل. هكذا أكدت إيران حضورها في مناطق الفراغ الواسعة التي خلفها غياب قوة الرئيس السابق بتحالفاته القبلية في مناطق شمال صنعاء والتي خلفها الحوثيون. واستفادت من حالة الغضب الثوري التي لم تهدأ في مناطق الوسط مثل تعز. كما استفادت من انقسامات الحراك الجنوبي وبالتحديد انقسامه لتيارين، تيار يدعو للانفصال أو ما يسمى فك الإرتباط وتيار الفدرالية. وبينما يدعم العالم التوجه الفيدرالي متجاهلاً التيار الأكثر راديكالية الذي يدعو لفك الارتباط بقيادة نائب الرئيس السابق أثناء الوحدة، علي سالم البيض، الذي اتجه فيما بعد للتحالف مع إيران مجاهراً بذلك. هكذا يتيح التدخل الإيراني وتغلغل نفوذها في اليمن لمزيد من الاشتعال داخل الساحة اليمنية لتتحول لأحدى ساحات الصراع الإقليمي والعالمي الدائر آلان في المنطقة والذي لن ينته إلا بكسر شوكة إحدى القوتين المتصارعتين أو تقاسم مناطق النفوذ بينهما.